القاهرة

الهكرة.. فرسان العالم الافتراضي

بقلم الدكتور عمر بن يونس


الدكتور عمر بن يونس

يحي وباتريشا .. الأول عربي والثانية روسية.. الاثنان من الهكرة.. يمكنهم القيام بأعمال لا يمكن للإنسان العادي القيام بها. بل ولا يستطيع أحد تخيل ما يفعلانه، ولن يتخيل أحد قدراتهما في مجال الحوسبة والرقمية. ففي الوقت التي كانت الدول العربية تقوم بتجهيز رجال الشرطة والأمن للقبض على أمثالهم!! كان الاثنان- وغيرهم أيضا- يسبحان يوميا في العالم الافتراضي... هنا وهناك وابعد من هنا وهناك... ما كان يفعله الاثنان وبحق... عبقرية، ومثلهم كثيرون غير معروفين. لهم أسماء وهمية ويسبحون في عالم افتراضي بديع.. يستكشفون الجديد باستمرار ويطلعون على المستقبل ويبتكرون أدوات رقمية دون معاناة. وبعد صدور القانون الوطني الأمريكي بدأت سلطات الأمن العربية تتحرك ضد الهكرة... نعم... كان أخر مرة أرى فيها الاثنان في عام 2003.. وعرفت منهما آنذاك أنهما سوف يرحلان إلى... الصين او كندا. لا أعرف ماذا حدث لهما! هل سافرا آنذاك.. أم تم القبض عليهما؟!! ولكني أتذكر دائما عبارة كانا يرددانها بعد كل انجاز يقومان به (... العبارة هي... الماء وتكنولوجيا المعلومات هما بترول المستقبل). كان هذا معتقدهما.. كانت أعمارهما في العشرينات.

وأما أنا فقد كنت احدث نفسي دائما حين أراهما... من يتحدى الهكرة؟ من يتفوق عليهم؟

لا احد يستطيع أن يتفوق على الهكرة... حتى القانون. لنتخيل الموقف التالي: مؤسسة مالية او أمنية...الخ. هذه المؤسسة يحرسها أشخاص مدججون بالسلاح وعلى مستوى تدريبي عالي.. ومع ذلك يأتي شخص ليس لديه صفة على الإطلاق، شخص عادي، ويتمكن من الدخول أمام هؤلاء الحراس وفي وضح النهار ودون أن يراه أي منهم!! وفي عالم الرقمية فإن هذا هو ما يفعله الهكرة. ولا يوجد من الهكرة الكثير.. ولكنهم بدون شك يتكاثرون. المعادلة يتم النظر إليها كالتالي... كلية تكنولوجيا المعلومات أو كلية العلوم/ قسم الحاسبات لا تقوم بتكوين هاكر.. فلا يشترط في الهاكر أن يكون من أصحاب الشهادات في الحاسوب أو التقنية أو خلافه.. ولكن يجب أن يكون الهاكر من ذوي العقيدة.. الهكترة... الهاكتيفزيم. فمن الممكن ان يكون الهاكر عاملا أو مستخدما أو عاطلا عن العمل أو ممن شملهم التقاعد المبكر الإجباري أو الاختياري أو محاميا أو طالبا أو حتى سائق عربة أجرة...الخ

والهكترة مثل امتحان الحصول على شهادة التوفل TOEFL. فليس هناك منهج محدد تدرسه لكي تحصل على التويفل.. كذلك ليس هناك منهج محدد لكي يصبح الشخص هاكر، فالهكرة لهم فلسفة هي الهكترة أو الهاكتيفيزم. أساس هذه الفلسفة هي الحرية المطلقة.. وهي فلسفة مرتبطة بالعالم الافتراضي Cyberspace... وبين الاثنين هناك ارتباط وثيق فلسفيا. فلا يستطيع أي إنسان أن يكون هاكر ولو امتلك مقومات الاختراق Intrusion. ومقومات الاختراق هي عبارة عن الدراية بالحوسبة والرقمية ومنطق عمل تكنولوجيا المعلومات. فالهكرة هم ممن يملكون مهارات خاصة للتعامل مع العالم الافتراضي الموازي للعالم المادي.. العالم الافتراضي هو ذلك العالم الذي يحكمه النظام التراسلي القائم على أساس الارتباط بين الحواسيب والشبكات في كل مكان. وما يمارسه الهكرة من نشاط تقني هنا يطلق عليه عبارة (هكترة) وهي تعريب لعبارة Hacktivism (هاكتيفزيزم) الأنجلو أمريكية. فالهاكر هو من يمارس الهكترة لكي يسبح بحرية في العالم الافتراضي دون أن يقيده أحد بضرورة الحصول على جواز سفر او تصريح مرور أو خلافه.

لنطلع على أحكام القضاء الأنجلو أمريكي. نجد أن هذه الأحكام تتميز بوصف دقيق للهكرة كالتالي (... فلان.. هو هاكر... قام باختراق..الخ). يجب تأمل هذه العبارة بدقة. إذ يدرك القضاء هناك إن من يقوم بالاختراق قد يكون هاكر وقد لا يكون كذلك.. وفي كل الأحوال هو أمام المحكمة لا يحاكم باعتباره هاكر وإنما باعتباره مخترق.

من الخطأ أذن الدخول في متاهة التفسير غير الصحيح للعبارات. فلا نقول هاكر لكي نصف إنسان بأنه مجرم. المجرم هو المخترق Intruder في هذه الحالة. والهاكر هو مجرد إنسان مثلي ومثلك لم يرتكب جريمة قط. ولكنه يتميز عني وعنك بأنه شخص ماهر وبارع في السباحة بين الحواسيب والشبكات أينما كانت وفي أي وقت... وهنا يكمن الفارق بين الهاكر والمخترق! ولكن لماذا يعد المخترق مجرما؟ لأنه ارتكب فعلا نهى المشرع عنه في قانون العقوبات. وبالتالي يلحقه قانون الإجراءات الجنائية. أما الهاكر فلم يرتكب جريمة قط. وإنما يقوم بإظهار مهاراته في العالم الافتراضي. وهو لا يستطيع إظهارها سوى هناك! فكيف أذن نسمح لأنفسنا بالتعميم الخاطئ ونطلق على الهكرة عبارة... مجرمين.

 إننا إذا حاولنا الحصول على تفسير عامي أو شعبي لعبارة هكره نعرف أنهم أشخاص لم يستطيعوا التفاعل مع حياة العالم المادي التي كلها ضغائن وحروب وفقر ومجاعات وحصار وإمراض فيروسية خطيرة تطلقها جهات مشبوهة ودول كبرى وصغرى وأمم متحدة وحكومات وسجون ومعتقلات...الخ فاستخدموا ملكاتهم ومهاراتهم في الهروب إلى العالم الافتراضي لكي يتمتعوا بالحرية المفقودة في العالم المادي. والأهم من ذلك كله أننا يجب أن نقتنع بان الهكرة لا جنسية لهم... والأغرب من ذلك أنهم جميعهم يتكلمون لغة واحدة هي لغة الحاسوب (زيرو- وان).

سلام عليكم يا أصدقائي (يحي وباتريشيا) أينما كنتما الآن. فانا كتبت هذه المقالة متطلعا إلى التعرف على إخباركم.. كنت أتمنى فعلا أن تحضرا معي حفنة من المؤتمرات التي حضرتها في عدة دول عربية، ومنها مؤتمر فرانكوفوني كبير وللأسف تمت إدانة الهكرة كالعادة في الدول العربية... ويعني ذلك أن الإدانة لحقتكما وكل من هو ماهر في الحوسبة والرقمية؟ فقط خمنوا معي لثوان.. من أدانوكم لم يكن في استطاعتهم على الإطلاق التمييز حتى بين الحوسبة وبين الرقمية أو تكنولوجيا المعلومات! لذلك فالأفضل إلا تخرجوا إلى الأضواء لأن من سوف يحاكمكم هم ثلة من... وأكون دائما أكثر حيرة منهم لأنني احضر مثل هكذا مؤتمرات! بل تجد في هكذا مؤتمرات من يناقش وضعية الهكرة في القانون وسلطات الأمن عليهم ويتفلسف ويعرف الجميع أيضا انه لا يعرف حتى استخدام الحاسوب! بل نجد أيضا من يتعامل مع الرقمية وكل إمكانياته هي الإيميل التصوري المجاني المشترك فيه!....الخ. ويظل هنا لسان حالي يقول في كل مرة اقرأ عن مؤتمر لمكافحة الجريمة الافتراضية أو أمن المعلومات انه ليس لي إلا أن استمر على عهدي واحترامي للهكرة وإعجابي بسلطانهم الفردي المطلق الذي لم يتأثر حتى الآن. وما أتمناه حقا أن احضر مؤتمرا يناقش فيه بجدارة وضعية الهكرة والهكترة.. سوف تظل هذه أمنية.. واعتقادي أنها سوف تتحقق بعد سبعمائة عام... ويمكن ان تنطبق مقولة (تمخض الجبل...الخ) على كل مؤتمر يناقش مكافحة الجريمة الافتراضية وأمن المعلومات وإدانة الهكرة.. وهو المثل الذي ينطبق بالطبع على الدول العربية التي أصدرت تشريعات لمكافحة الجريمة الافتراضية وانتهت إلى تمجيدها وتسويقها لدى الدول العربية الأخرى التي لم تصدر بعد فيها تشريعات.. والأدهى إن الدولة التي تسوق لتشريعاتها لم تطبقها بعد!