القاهرة

بلاك بيرى في قفص الاتهام

الجهاز متهم باختراق الخصوصية والتجسس لصالح جهات أمنية أجنبية

اعداد : ماجدة أحمد




صمت في مصر وجدل ثائر في دول الخليج حول مخاطره المؤكدة

تنشغل دول عربية عديدة بأزمة أجهزة المحمول " البلاك بيرى " . ولكن في مصر يبدو أنه ليس هناك أزمات . فلا مسئول يصرح أو يعلن عن أى اختراقات لأمن المعلومات المخزنة على هذه الأجهزة التى وصل عدد مستخدميها قرابة المليون مستخدم ، جميعهم يتداولون رسائل الكترونية ونصية هامة ، معرضة للاختراق والتتبع .

ولعلنا نذكر  أزمة بلاك بيري في دولة الإمارات العام الماضي، عندما قامت شركة اتصالات الإماراتية بتنزيل تطبيق صغير مشكوك في أمره على أجهزة بلاك بيري للمشتركين و تبين بعدها أن التطبيق ليس إلا أداة تتيح لجهات “غير معروفة” التنصت على إيميلات و رسائل المشتركين. و عندها جاء تصريح رسمي من شركات RIM الكندية  منتجة أجهزة بلاك بيرى ينفي تورطها في القضية. ووصل الأمر أن هددت الشركة بقطع خدماتها في الإمارات إذا ثبت تورط عابثين اخذوا على عاتقهم التعدي على خصوصية زبائن بلاك بيري.

ولا بد من التوضيح أولاً أن  تكنولوجيا تشفير الرسائل و الإيميلات على بلاك بيري تجعل من غير الممكن لهيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات كشف فحوى هذه الرسائل. حيث يتم تشفير رسائل بلاك بيري على خوادم منفصلة مقرها كندا.

عودة الجدل وتراجع المبيعات

واليوم يطفو الموضوع ذاته على السطح. حيث أصدرت الحكومة الإماراتية بياناً رسمياً قبل يومين يعترف أن خدمات بلاك بيري في الإمارات تعمل “خارج القانون”. وجاء هذا رداً على التداعيات والإشاعات التي صاحبت القضية التي بدأت قبل عام تقريباً. يذكر أن هناك أكثر مليونى مشترك في خدمات بلاكبيري في دول الخليج. ولعل ذلك مادفع عدداًّ من دول خليجية مجاورة (كالبحرين و الكويت و السعودية) تدعو لفرض رقابة على محتوى رسائل بلاك بيري. و الهدف المعلن لحكومات هذه الدول هو الحفاظ على “أمن” المواطنين و حماية الدول من تهديدات خارجية أو داخلية محتملة.

ويسود تخوف بين مستخدمي “البلاك بيري” بسبب سرية البيانات الخاصة بهم التى باتت مستباحة ، وهو ما انعكس على حجم المشتريات من هذه الاجهزة في أسواق الخليج ، حيث أحجم المشترون الجدد عن شرائه مما خفض المبيعات خلال الشهر الجاري بنحو 80%، وهي الفترة التي تصاعدت معها الحملات ضد أجهزة “البلاك بيري”، بحسب ما جاء على لسان أصحاب محال تجارية لبيع الهواتف المحمولة في دبى والمنامة والدوحة .

تواكب مع ذلك زيادة العروض الخاصة بأجهزة “البلاك بيري” خلال فترة الشهرين الماضيين، وهو ما أرجعه البعض لمحاولة معظم المتاجر تصريف المخزون الذي لديها من أجهزة “البلاك بيري” عبر هذه العروض، ووصلت التخفيضات لأسعار “البلاك بيري” عما كان مطروحاً به في بداية نزوله للأسواق إلى ما يزيد على 60%، فضلاً عن الميزات الإضافية من إعطاء فترة استخدام للانترنت لمدة ستة شهور وهدايا مجانية على الجهاز الأصلي .

وفي دراسة حديثة أبدى ثلاثة أرباع مستخدمي هاتف “البلاك بيري”، في الامارات قلقهم إزاء تخزين بياناتهم من قبل مؤسسة مستقلة، تقع خارج حدود دولة الإمارات العربية المتحدة . وأظهر الاستطلاع الذي أجرته شركة “انتيجرل ريسيرتش”، إحدى الشركات المتخصصة في استطلاعات الرأي، خلال الفترة ما بين 14 و16 يوليو الجاري أن 58%من المشاركين يشعرون بالقلق إذا كانت تطبيقات الهاتف المحمول المستخدمة من قبلهم خارج نطاق السلطة القضائية لدولة الإمارات العربية المتحدة .وأوضح الاستطلاع “الذي شمل 400 مستخدم من مختلف الجنسيات”، أن تسعة من كل عشرة مستهلكين يتفقون على أن الأمن القومي لدولة الإمارات، هو مسؤولية ملقاة على عاتق كافة المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، وليس على عاتق الحكومة .

 

مستخدمون يعيدون بيع أجهزتهم

.

وقال أحد أصحاب محلات الهواتف ، إن أحد المترددين عليه باع 5 أجهزة في وقت واحد، كان اشتراها لأبنائه بعد نجاحهم في الدراسة، في حين استرجع الكثير من الزبائن هواتفهم من نوعية “البلاك بيري” التي كانوا اشتروها مؤخراً، في حين كان إصرار أصحاب الأجهزة على مسح بياناتهم الخاصة الموجودة في الأجهزة المباعة كبيراً، وعلى أن تتم عملية إلغاء البيانات أمام أعينهم .

وجاء ذلك على خلفية معلومات قد انتشرت خلال الأيام الماضية عبر جهاز “البلاك بيري” تفيد أن الجهات المختصة في دولة الامارات بصدد وقف خدمة “البلاك بيري”، في حين ذهبت شائعات أخرى إلى تحديد وقت وقف الخدمة بمطلع الشهر المقبل، وذلك لتسهيل عمليات احتساب الفواتير أمام مزودي الخدمة في الدولة .

ويتصاعد الجدل حول الأخطار الكامنة في استخدام أجهزة "بلاك بيري" بعد أن عمدت بعض دول العالم إلى إيقاف خدماته ، وتفكّر دول أخرى في تقنين استخداماته وحصرها في حدود معينة، وبعد أن تأكد أن "بلاك بيري" ينطوي على أخطار لو أسيء استخدامه. ومعظم هذه الأخطار تتعلق بالخصوصية الشخصية لمستخدميه طالما أن الشركة التي تعمل على تشغيله قادرة على تسجيل كافة المكالمات وتحديد أوقاتها.

وقبل ست سنوات، وفي قمة عهد الرخاء الاقتصادي الذي كان يشهده العالم، برزت بشكل مفاجىء ظاهرة تجسس الشركات العالمية الكبرى على بعضها البعض حتى أصبحت الكثير من الأجهزة اللاسلكية اليدوية مثاراً لشبهات الدوائر الأمنية. وتمكن رجال الاستخبارات الفرنسية من التعرف على أوجه الخطر الكامنة في الهاتف اليدوي الشهير "بلاك بيري" ، هذا الجهاز الذكي الذي لا يزيد وزنه عن 150 جراماً، يمكنه أن يبحر في صفحات الويب وأن يرسل ويستقبل البريد الإلكتروني؛ وهو أيضاً جهاز موبايل فائق الذكاء، طبقاً لما ورد بصحيفة "الإتحاد الإماراتية.

خطورة مؤكدة

وتكمن خطورته الأمنية المؤكدة في أنه يعد وسيلة ممتازة لنسخ وإرسال أخبار وأسرار المؤسسات والشركات من قبل الموظفين المتواطئين مع جهات أو أجهزة أجنبية، كما أن معلوماته ذاتها تمر عبر خوادم إلكترونية "سيرفرز" تشرف عليها الشركة الصانعة والأجهزة الأمنية المرتبطة بها.

وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية قد أوردت أن الأمانة العامة للدفاع الوطني في فرنسا عمدت إلى اتخاذ قرار يقضي بحظر استخدام "بلاك بيري" داخل القصر الجمهوري والوزارات والجهات الحكومية.وأشارت إلى أن المستفيد الأول من هذا النشاط التجسسي الحكومي هى الوكالة الأمريكية للأمن الوطني. وكشفت الصحيفة أن تم اكتشاف حالات كثيرة كان يتم فيها نقل معلومات وبيانات حكومية حساسة عبر أجهزة "بلاك بيري" إلى جهات حكومية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وأكدت "اللوموند" أن مدير وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة للحكومة الفرنسية قد قال "إن المخاطر الكامنة في مثل هذه النشاطات التجسسية كبيرة جداً".وعندما صدر القرار الحكومي الرسمي في فرنسا بمنع استخدام "بلاك بيري" قبل نحو أربع سنوات، عبّر الكثير من الموظفين عن احتجاجهم على القرار؛ ونقلت الصحيفة عن أحد كبار موظفي وزارة الدفاع الفرنسية قوله: "ما إن بدأنا ندخل عصر التكنولوجيات المتقدمة، حتى وجدنا كيف عمدت حكومتنا البيروقراطية لمقاومتها حتى تعيدنا إلى عصر الكتابة اليدوية للتقارير الرسمية. وربما تكمن الخطوة المقبلة في منعنا من استخدام أجهزة الموبايل الأخرى".

وأشارت "لوموند" التي تابعت هذه القضية الحساسة من خلال تحقيق ميداني، إلى أن بعض الموظفين في مكاتب رئاسة الحكومة الفرنسية أشاروا إلى أن الجهاز الآمن البديل لـ"بلاك بيري" الذي اعتمدته الدولة رسمياً أثبت انخفاض مستوى أدائه للدرجة التي دفعت العديد منهم للعودة لاستخدام "بلاك بيري" بطريقة خفيّة متحدّين بذلك القرار الرسمي بحظره.

وأغرب ما في أزمة البلاك بيرى أن رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك الوقت فرانسوا فيلون رفض التعليق على قرار الحكومة بحظر استخدام "بلاك بيري" أو إبداء الرأي فيه؛ كما امتنع عن التعليق على التقرير الذي نشرته "لوموند" حول الموضوع.

وبالرغم من أن "بلاك بيري" أكثر تداولاً في الولايات المتحدة مما هو في فرنسا، إلا أن هذا الجهاز ذا الأداء المتفوق أصبح يحظى بشعبية متزايدة وخاصة في أوساط المدراء التنفيذيين للشركات والمحامين والكثير من الفئات والشرائح الاجتماعية والاقتصادية الأخرى بمن فيهم البيروقراطيون الحكوميون والشخصيات السياسية.

 

قيود على الاستخدام

وذكر تقرير لشبكة الإعلام العربية " محيط" على الانترنت أنه في شهر يناير الماضي، أكدت شركة موتورولا الأمريكية أنها تلقّت شكوى تفيد بأن شركة "ريسيرتش إن موشن" الصانعة للجهاز "بلاك بيري" تتجسس على خمسة من كبار خبرائها عبر استخدامهم للجهاز.

وأضاف التقرير أنه وفي الكويت، تعمل الشركات الثلاث المشغلة لخدمات "بلاك بيري" إلى جانب العديد من المستخدمين هناك مع وزارة الداخلية لإيقاف العمل بقرار منع خدمة الرسائل عن طريق "بلاك بيري" الذي تعتزم الوزارة اتخاذه.وقد تطورت تقنيات التنصّت على المواد والمعلومات التي يتم تبادلها عبر البريد الإلكتروني إلى الحدود التي تجعل من مسألة الحفاظ على سرية المعلومات مشكلة مستعصية بالنسبة للأفراد والمؤسسات العامة.

وأثارت القيود التي فرضتها دول خليجية ومن بينها مملكة البحرين باتخاذ إجراءات قانونية ضد مستخدمي خدمة الدردشة المرتبطة بهواتف بلاك بيري المحمولة التي يتم خلالها تبادل الأخبار المحلية، كتحذير جديد يضاف إلى التحذيرات العديدة التي أطلقت بالآونة الأخيرة مطالبة بوضع قيود على خدمة هذا الهاتف الذي انتشر استخدامه بشكل كبير في كل دول مجلس التعاون، بسحب ما نشرته صحيفة العرب القطرية.

ونقلت "وكالة أنباء البحرين" عن الوكيل المساعد للمطبوعات والنشر بوزارة الثقافة والإعلام البحرينية عبد الله عبد الرحمن يتيم قوله إن هذا القرار يرجع إلى ما تحدثه تلك الأخبار من بلبلة وإرباك للرأي العام". وأكدت الوكالة أنه تم استدعاء الأفراد والجهات التي تمارس مثل هذه الأنشطة غير المرخص لها، وسوف يتم اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية بحق المخالفين بالقوانين والأنظمة المعمول بها.

ولا يمكن فصل دولة قطر عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي تربطها بها عادات وتقاليد واحدة تقريباً ووضع اجتماعي متشابه، وهنا لا بد من التذكير بالانتقاد الذي وجهته السيدة فريدة العبيدلي المديرة العامة للمؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة لجهاز الـ"بلاك بيري"؛ لما يتيحه من مواقع إباحية يسهل الولوج إليها من خلال محركات البحث.وتطالب العبيدلي بالرقابة على هذا النوع من الأجهزة الذي أصبح متاحا للجميع على مختلف أعمارهم، مؤكدة أن هذا الجهاز بمثابة قنبلة موقوتة بأيدي شبابنا وفتياتنا مع انعدام الرقابة القانونية من الجهات المختصة التي لها صلاحيات الرقابة على هذا النوع من الأجهزة.

يضاف إلى هذا كله حظر خدمة الـ"بلاك بيري" في المملكة العربية السعودية أيضاً، ما طرح النقاش وبقوة بين عدد كبير من الشباب القطري المهتمين بهذه الخدمة ولسان حالهم يقول: هل ستحظر هذه الخدمة في قطر أيضا.ً.؟ خصوصاً أن لخدمة البلاك بيري "الدردشة" شعبية كبيرة بين مختلف شرائح المواطنين والمقيمين في الدولة، حتى أصبحت جزءاً من حياة البعض العملية والاجتماعية.

نظرة قانونية

ومن الناحية القانونية يقول المستشار القانوني محمود الهادي إن هاتف “البلاك بيري” يعد الجهاز الوحيد الذي يتم تصدير وتخزين وإدارة البيانات والمعلومات المستخدمة مباشرة من قبل منظمة تجارية أجنبية واقعة خارج الدولة، حيث يعتبر هذا خارج نطاق السلطة القضائية، وأحكام تنظيم الاتصالات في الدولة، وهو ما يعتبر اختراقاً قانونياً قبل أن يكون أمنياً، فلا يوجد مسئول من الممكن أن تحاسبه الجهات الرقابية في الدولة .

وأشار الهادي إلى أن قضية السيطرة على سرية البيانات للمستخدمين من اختراقات التقنية للأجيال الجديدة من هذه الأجهزة الذكية هي قضية عالمية، مستشهداً في ذلك بما نشرته بعض الصحف الفرنسية والتي نوهت عن هذه الأخطار مع بداية استحداث هذا الجيل من الهواتف الذكية، مما استدعى الحكومة الفرنسية لحظره آنذاك، منوهاً إلى أنه من الممكن أن تلجاً الكثير من الدول إلى حذو خطى الحكومة الفرنسية أو على الأقل تقنين استخداماته، وهو ما تبحث الجهات المسئولة في الإمارات الآن .

الصمت المصرى

وهذه الأزمة والنقاش والحوار الدائر في دول الخليج عموماً لم تجرفه الرياح غرباً نحو مصر حتى الآن .. وإذا كانت الأزمة هناك قد تحولت إلى عواصف ، فإن الأمر في مصر يغلفه الهدوء أو الصمت .

وحذرت هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات يوم الأحد الماضى في بيان رسمى لها من أن بعض تطبيقات جهاز "بلاك بيري" تتيح السبيل أمام تجاوزات تتسبب بمضاعفات تؤثر على الصعيد الاجتماعي والقانوني وعلى صعيد أمن البلاد. قالت الهيئة "إن هواتف بلاك بيري التي تصنعها شركة ريسيرش إن موشن الكندية عرضة لسوء الاستخدام، وإنها ستسعى لحماية مستهلكيها وقوانينها".

وكانت البحرين قد حذرت في أبريل الماضى من استخدام برنامج ماسنجر في تليفونات "بلاك بيري" في نشر أخبار محلية. وأثار ذلك بواعث قلق بخصوص احتمال أن تبحث دول خليجية أخرى الحد من استخدام بعض تطبيقات الهاتف "بلاك بيري" الذي يحوز حوالي 20 % من سوق الهواتف الذكية في العالم بعد نوكيا ومتفوقاً على أبل. وأكدت هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات أن تشغيل خدمات "بلاك بيري" يجري في الوقت الحالي خارج نطاق السلطة القضائية للتشريعات الوطنية. وقال البيان إن الإمارات تعمل من أجل حماية المعلومات الشخصية لمستخدمي البلاك بيري، وتضع نصب عينيها البحث عن حل يضمن حماية سرية معلومات المستخدمين من أفراد وشركات وبما يتماشى مع أحكام تنظيم الاتصالات في الدولة.

 

 

وما تزال المناوشات والمفاوضات قائمة لحل هذه المعضلة بين هيئة تنظيم الاتصالات وشركة RIM للوصول لحل يرضي الطرفين. و أحد الحلول المقترحة هو أن يتم تنصيب شبكة بلاكبيري مستقلة على الأراضي الإماراتية. و قد يكون هذا من المستحيلات حيث أن الدولتان الوحيدتان اللتان تتمتعان بذلك هما كندا و المملكة المتحدة؟

الجدل مشتعل هناك في دول الخليج في محاولة للحفاظ على خصوصية وسرية بيانات ومعلومات المستخدمين لأجهزة البلاك بيرى ، أما هنا فالصمت المريب سيد الموقف وكأن تأمين خصوصية قرابة المليون مستخدم للبلاك بيرى في مصر لا تعنى ولا تهم هيئة كبرى في مصر اسمها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ..