القاهرة

هل تصيب شبكة الإنترنت الأطفال بالعزلة الاجتماعية؟


عالم الإنترنت يثير شغف الأطفال

 

عالم الإنترنت يثير شغف الأطفال

فى دراسة هامة نشرها موقع دويتشه فيليه الألمانى قالت إنه رغم ما تفتحه شبكة الإنترنت من آفاق تواصلية هائلة تتعدى الحدود يتهمها بعض أولياء الأمور ومربون بإدخال أطفالهم في عزلة اجتماعية وبإفقادهم حس التواصل الحقيقي مع محيطهم والانطواء في عالم افتراضي، لكن دراسة جديدة أظهرت العكس.فرغم الطقس الجميل المشمس خارج البيت، يجلس أطفال ناشؤون وظهورهم منحنية أمام حواسبهم في غرفهم المتجهمة وشبه المظلمة بسبب الستائر الحاجبة لأشعة الشمس عن النصف الأعلى للنوافذ حرصا من هؤلاء الأطفال على وضوح شاشات الكمبيوتر أمامهم أثناء تصفحهم الإنترنت. والأطفال لا يعيرون أي انتباه لجمال الطبيعة في الخارج، بل ويجدون دعوة والديهم لهم بالخروج معهم للتنزه أمراً مزعجاً، لأن أولوياتهم الآن هي الدردشة على الشبكة الاجتماعية في الإنترنت: بعث رسالة إلكترونية أو إرسال تعليق أو سؤال لأصدقائهم "الافتراضيين" في الشبكة.ولا عجب من قلق الآباء والأمهات والمربين الذين يرون في الشبكة العنكبوتية مضماراً خصباً لأطفال "مهووسين" بالكمبيوتر يغوصون من خلاله في العالم الافتراضي ويبتعدون عن التواصل الواقعي مع الآخرين، بل ويعتقد بعض المربّين أن هؤلاء الأطفال قد يصبحون غير مؤهلين للتواصل مع الآخرين اجتماعيا بسبب الإنترنت وقد يفقدون قدراتهم على إقامة ارتباطات اجتماعية حقيقية.

هل جيل فيسبوك "معاق اجتماعيا"؟

وبعد انتشار الإنترنت انتشاراً هائلاً في المجتمع أصبح من المفهوم تمسك الأطفال بالشبكة الافتراضية وانجذابهم إليها. وتركت الشبكة آثارها على السلوك الاجتماعي المعتاد لديهم، والذي بدأ يعاني قليلاً بسبب جلوس كل مستخدم للإنترنت منهم وحيدا أمام لوحة المفاتيح وشاشة الكمبيوتر لساعات طويلة. وهي آثار كانت قد لوحظت في الماضي عندما دخل التلفزيون إلى حياة الناس. ومنذ تم إنشاء شبكة الإنترنت وهي في موضع انتقاد من قبل المربين، ولاسيما فيما يتعلق بالأطفال والشباب الناشئين والذين يحذّر المربون من وقوعهم في ما يسمونه باللامبالاة الاجتماعية.

ولكن الباحث لودجر فوسمان قام بالبحث عن وسيلة أخرى يحصل من خلالها على حقائق موثوق بها إحصائيا، وقام بالاطلاع على عدد من الدراسات التي تبين تأثير استخدام الإنترنت على الأطفال والناشئين، فوجد بعض الدراسات التي جاءت بنتائج أخرى تتعارض مع "النظرة التشاؤمية الرائجة بين المربين". فقد أظهرت دراسات، قامت بها جمعية البحوث التربوية الإعلامية الألمانية ورابطة التقنية الحديثة الألمانية، أن الأصدقاء يحتلون بالإضافة إلى الرياضة والتلفزيون أولوية أكبر من الكمبيوتر والإنترنت لدى الفئات العمرية الصغيرة.

وللتحقق من ذلك قام فوسمان وفريقه بإجراء دراسة أطلقوا عليها اسم "Surfing alone" أو "تصفـُّح الإنترنت وحيدا" جمعوا فيها بيانات إحصائية سنوية من كل المقاطعات الألمانية، وقاموا فيها بإجراء مقابلات مع نفس الأشخاص في كل مرة طارحين عليهم عدة أسئلة تتعلق بأصدقائهم الذين يلتقون بهم بشكل متكرر وعن عدد مرات ذهابهم إلى المسرح والسينما وعما كانوا يقومون بأي عمل سياسي أو نشاط تطوعي، ويقول فوسمان عن هذه الدراسة: "وجدنا على الأقل أن السلوك الاجتماعي للأشخاص الراشدين لم يتغير كثيراً بالإنترنت مقارنة بالسابق".

دراسات الباحثين تتعارض مع انتقادات المربين

وجد الباحث فوسمان إذن أن شبكة الإنترنت لا تؤثر على السلوك الاجتماعي بشكل سلبي بل إنها تشجع النشاط الاجتماعي. ولكن من ناحية أخرى قد يكون الأشخاص الذين يمتلكون شبكة إنترنت سريعة ذات نطاق توصيل كبير للمعلومات الرقمية أكثر نشاطا على الشبكة وبالتالي أكثر انغلاقا وانطواءً على أنفسهم اجتماعيا ما يؤدي إلى عزلتهم اجتماعيا؟

 الإنترنت يفتح مجالات للنشاطات خارج البيت لكنه قد يصيب بعض الأطفال بالعزلة الاجتماعيةومن خلال خطأ تقني حدث بُعَيد الوحدة الألمانية قبل أكثر من عشرين سنة في شرق ألمانيا تمكن الباحث وفريقه من المقارنة بين مجموعتين من الأطفال الناشئين: إحداهما تستخدم الإنترنت والأخرى لا تستخدم الإنترنت في البيت بتاتا. فقد تم حينها ربط إحدى مناطق شرق ألمانيا بألياف ضوئية كان يعتقد أنها ستكون تقنية المستقبل حاليا وهي تقنية OPAL. لكن هذه التقنية التي تعمل وفقها هذه الألياف الضوئية غير متوافقة مع تقنية دي إس إل التي يعمل عليها الإنترنت حاليا. إنه خطأ فني أدى إلى استثناء بعض مواطني شرق ألمانيا من استخدام الإنترنت في البيت.

واستفاد الباحث فوسمان من ذلك في المقارنة بين المجموعتين من مستخدمي الإنترنت الصغار، ومن قياس تأثير الانترنت على الأنشطة الاجتماعية والسلوك الاجتماعي وهو يقول: "توصلنا إلى أن الإنترنت يزيد من النشاط الاجتماعي للأطفال بشكل واضح"، فالأطفال الذين يمتلكون إنترنت في البيت يكون نشاطهم الاجتماعي خارج البيت في الأسبوع الواحد أكثر من غيرهم، ويضيف الباحث: "من يستخدم الإنترنت يذهب بشكل أكبر إلى دروس الموسيقى وإلى النشاطات خارج المدرسة وإلى الحفلات الموسيقية والمسارح"، ويقول إن هذا يسري على متوسط العدد الذي أجريت عليه الدراسة. وبالتالي توصل إلى الإنترنت تعزز وتقوي من النشاط الاجتماعي للأطفال، و"لا يوجد أي مؤشر على أنّ الإنترنت يؤدي إلى العزلة الاجتماعية". وحول انتقادات المربين والآباء والأمهات في أن الإنترنت يؤدي إلى إصابة أطفالهم بالوحدة وبالعزلة الاجتماعية يقول الباحث فوسمان :"إن هذه الانتقادات تنطبق على بعض الأطفال وليس على متوسط عدد الأطفال"، مؤكدا أن هذا لا يعفي أوليا الأمور من مراقبة سلوك أبنائهم والحذر من أن يتسبب الإنترنت في عزلة أطفالهم اجتماعيا.